سورة ق - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ق)


        


{إِنَّ فِى ذَلِكَ} أيْ فيمَا ذكرَ من قصتِهم وقيلَ: فيَما ذكرَ في السورةِ {لِذِكْرِى} لتذكرةً وعِظةً {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أيْ قلبٌ سليمٌ يدركُ به كُنْهَ ما يشاهدُه منِ الأمورِ ويتفكرُ فيَها كما ينبغِي فإنَّ مَنْ كانَ له ذلكَ يعلمُ أنَّ مدارَ دمارِهم هُو الكفرُ فيرتدعُ عَنْهُ بمجردِ مشاهدةِ الآثارِ من غيرِ تذكيرٍ {أَوْ أَلْقَى السمع} أيْ إلى مَا يُتلى عليهِ منَ الوَحْي الناطقِ بما جرَى عليهمْ فإنَّ منْ فعلَهُ يقفْ عَلى جليةِ الأمرِ فينزجرَ عَمَّا يؤدَّي إليهِ منَ الكفرِ، فكلمةُ أَوْ لمنعِ الخلوِّ دونَ الجمعِ فإنَّ إلقاءَ السمعِ لا يُجدِي بدونِ سلامةِ القلبِ كَما يلوحُ بهِ قولُه تعالَى {وَهُوَ شَهِيدٌ} أيْ حاضرٌ بفطنتهِ لأنَّ منْ لاَ يَحْضُرُ ذهنُهُ فكأنَّه غائبٌ، وتجريدُ القلبِ عما ذكرَ من الصفاتِ للإيذانِ بأنَّ منْ عُرِّيَ قلبُه عَنْهَا كمَنْ لاَ قلبَ لَهُ أصلاً.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} منْ أصنافِ المخلوقاتِ {فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا} بذلكَ معَ كونِه ممَّا لا يَفِي بهِ القُوَى وَالقُدَرُ {مِن لُّغُوبٍ} مِنْ إعياءٍ مَا ولاَ تعبٍ في الجملةِ وهَذَا ردٌّ علَى جَهَلةِ اليهودِ في زعمِهم أنَّه تعالَى بدأَ خلقَ العالمِ يومَ الأحدِ وفرَغَ منْهُ يومَ الجمعةِ واستراحَ يومَ السبتِ واستلقَى على العرشِ، سبحانَهُ وتعالَى عَمَّا يقولونَ عُلوَّا كبيراً {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} أيْ ما يقولُه المشركونَ في شأنِ البعثِ منَ الأباطيلِ المبنيةِ عَلى الإنكارِ والاستبعادِ فإنَّ مَنْ فعلَ هذهِ الأفاعيلَ بلا فتورٍ قادرٌ عَلى بعثِهم والانتقامِ منهُمْ أوْ ما يقولُه اليهودَ منْ مقالاتِ الكفرِ والتشبيهِ {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} أيْ نَزِّهَهُ تعالَى عنِ العجزِ عَمَّا يمكُن وَعَنْ وقوعِ الخُلفِ في أخبارِهِ التي مِنْ جُمْلتها الإخبارُ بوقوعِ البعثِ وعنْ وصفهِ تعالَى بما يوجبُ التشبيَه حَامداً له تعالَى عَلى ما أنعمَ به عليكَ من إصابةِ الحقِّ وغيرِهَا {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب} هُمَا وقتُ الفجرِ والعصرِ وفضيلتُهما مشهورةٌ {وَمِنَ اليل فَسَبّحْهُ} وسَبِّحْهُ بعضَ الليلِ {وأدبار السجود} وأعقابّ الصلواتِ جمعُ دُبُرٍ وقرئ بالكسرِ مِنْ أدبرتِ الصلاةُ إذَا انقضتْ وتمتْ ومعناهُ وقتُ انقضاءِ السجودِ وقيلَ: المرادُ بالتسبيحِ الصلواتُ فالمَرادُ بما قبلَ الطلوعِ صلاةُ الفجرِ وبما قبلَ الغروبِ الظهرُ والعصرُ وبمَا مِنَ الليلِ العشاءانِ والتهجدُ ومَا يصلَّى بأدبار السجودِ النوافلُ بعدَ المكتوباتِ {واستمع} أيْ لما يُوحَى إليكَ من أحوالِ القيامةِ، وفيهِ تهويلٌ وتفظيعٌ للمخَبرِ بهِ {يَوْمٍ يُنَادِى} أيْ إسرافيلُ أوْ جبريلُ عليهَما السلامُ فيقولُ أيتَها العظامُ الباليةُ واللحومُ المتمزقةُ والشعورُ المتفرقةُ إنَّ الله يأمركُنَّ أنْ تجتمعنَ لفصلِ القضاءِ وقيلَ: إسرافيلُ ينفخُ وجبريلْ يُنادِي بالحشرِ {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} بحيث يصلُ نداؤُه إِلى الكُلِّ عَلى سواءٍ وقيلَ: من صخرةِ بيتِ المقدسِ وقيلَ: من تحتِ أقدامِهم وقيلَ من منابتِ شعورِهم يُسمَعُ منْ كُلِّ شعرةٍ ولعلَّ ذلكَ في الإعادةِ مثلُ كُنْ في البدءِ.


{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصيحة} بدلٌ منْ يومَ يُنادِي إلخ وهي النفخةُ الثانيةُ {بالحق} متعلقٌ بالصيحةِ والعاملُ في الظرفِ ما يدلُّ عليهِ قولُه تعالَى: {ذَلِكَ يَوْمُ الخروج} أيْ يوم يسمعونَ الصيحةَ ملتبسةً بالحقِّ الذَّي هُوَ البعثُ بخرجونَ منَ القبورِ {إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ} في الدُّنيا منْ غيرِ أنْ يشاركَنَا في ذلكَ أحدٌ {وَإِلَيْنَا المصير} للجزاءِ في الآخرةِ لا إِلى غيرِنا لا استقلالاً ولا اشتراكاً {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ} بحذفِ إحْدَى التاءينِ منْ تتشققُ وقرئ بتشديدِ الشينِ وتُشقَّقُ عَلى البناءِ للمفعولِ من التفعيلِ وَتنشقُ {سِرَاعاً} مسرعينَ {ذَلِكَ حَشْرٌ} بعث وجمعٌ وسوقٌ {عَلَيْنَا يَسِيرٌ} أيْ هينٌ وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ لتخصيصِ اليُسْرِ بهِ تعالَى {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} مِنْ نفْي البعثِ وتكذيبِ الآياتِ الناطقةِ بهِ وغيرِ ذلكَ مما لا خيرَ فيهِ {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} بمتسلطٍ تقسرهُم علَى الإيمانِ أو تفعلُ بهمُ ما تريدُ وإنما أنتَ مذكرٌ {فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} وأما مَنْ عداهُم فنحنُ نفعلُ بهمُ ما توجبُهُ أقوالُهم وتستدعيهِ أعمالُهم من ألوانِ العقابِ وفنونِ العذابِ.
عنِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «مَنْ قرأَ سورةَ ق هَوَّنَ الله عليهِ ثاراتِ الموتِ وسكراتِه».

1 | 2 | 3 | 4